مجلة تقودها النساء والعدد الأخير يوثّق المطبخ-قصص حب مدفونة بين التوابل والمناكفات؟
لكل عائلة نكهتها الخاصة. والعبقري الذي قال أن الحياة تحدث في المطبخ كان على حق لأن التجارب أثبتت لنا أن المطبخ هو قصة حُب، نكهتها الريحان، الزعتر، البقدونس، الزعتر البرّي ومربى الفلفل الحار، وجوزة الطيب...وزخّات خفيفة من زيت الزيتون - شغل الكورة.
كل وصفة تنطوي على تاريخ عائلة تُلخّص مناكفاتها ومواجهاتها الضارية- الشرسة بحبها - بعضها مع بعض حول مائدة العشاء، طبقات الحُب العميقة المُتجذرة في كريمة الشوكولاتة وزبدة المكاديميا.
وهذا المساء، يعدنا العدد التاسع من مجلة "الراوية" الذي يُطلق في سوق الطيب - مار مخايل، بأن يضع المطبخ والوجبات المُشتركة، كمواقع محوريّة تُحافظ على إرث العائلة، وتضمّ النوادر إلى فصول حياة كاملة، في وقت يتسم بإنعدام الأمن الغذائي.
إرث العائلة يحتضن ما تبقّى للبعض منّا من حياة.
يحتوي هذا العدد على سرديّات متنوعة لمؤلفين من لبنان، سوريا، الأردن، وفلسطين. ويستكشف الأبعاد الثقافية والتاريخية والسياسية والإقتصادية الموروثة والمأكولات المُشتركة.
منصّة الراوية - التي تشمل المجلّة - تُسجّل نقطة محوريّة في رحلتها التي إنطلقت رقميّاً، من خلال إصدار أول عدد مطبوع لها بعنوان: نكهاتنا
النكهات التي نحملها؟
وخلال 8 إصدارات رقميّة عبر خمس سنوات، وثّقت المجلة باللغتين العربية والإنجليزية، التاريخ الملحي، آخذة في الإعتبار أهميّة الحفاظ على الإستقلال التحريري والحريّة الإبداعيّة ليحمي الكاتب مكتبته الداخليّة. فليفقد توازنه بين وصفة وأخرى وقصة أو نادرة عابرة وأخرى. المهم أن تتربّص قلادة طويلة من الأناقة خلف كل قصّة، وتالياً، كل عدد.
إمرأة نسيها الزمن تُحضّر وصفة اليوم لتخفي وجعها، وأب يعجن الخبز ليدفن خيبة "رايحة" وأخرى "جايي". ورائحة البندورة الآتية من قرية لم يتسن لهذا المُسن أن يُنهي أيامه فيها رغم محاولاته المتكررة.
هذا العدد بنكهاته التي نحملها في خلايا الجسد، يكتب عن الذاكرة، كي يحتفظ المطبخ بكل ما عجزت اللغة واللحظات العابرة عن توثيقه.
الفسحة المديدة في سوق الطيب إنقسمت إلى مختلف الزوايا، لنشعر بأننا نزور، في الواقع، أكثر من قصة، وأكثر من فصل. الشتاء يقترب بحذر. لا يستعجل دخوله العتبة. والناس يترنحون داخل القاعة براحة تعيشها العاصمة بوضوح، وعلى رغم عشرات التهديدات وصدى حروب عتيقة نادراً ما فارقنا طيفها.
النساء بأناقتهن الرقيقة، الرجال وهم يتبادلون التحيّات شبه الخالية من العواطف. ولكنها تحتوي على ما يكفي من المودّة. تبادلات هادئة قليلة المشاعر. ممتلئة بطيبة مُستترة.
آلة العود تمهّد لأنغام تُرافق الأضواء شبه الخافتة والهمهات شبه الواضحة. عشرات المشهيّات، وأوعية صغيرة تحتوي على توابل ونكهات مختلفة. ويا ريتها تتمكّن من أن تروي قصصها المحفوفة في عوالمنا الداخليّة. إبريق قديم وفناجين قهوة على طراز "الشفّة". كلب سُرعان ما يتحوّل نجم الحدث، يحلّ ضيفاً يعشقه الحضور في اللحظة. وهو يعرف قيمته جيداً.
الراوية هي منصّة مستقلة بقيادة نسائية، تأسست عام 2020، تعمل على ربط المجتمعات المتنوعة ببلاد الشام: لبنان، سوريا، الأردن، وفلسطين. وهدفها سرد القصص التي غالباً ما تبقى طيّ النسيان. نضعها في ملفات يأكلها غبار الخوف واللامبالاة وعدم القدرة على البحث داخل مجتمعنا الصغير وبعده الكبير لنفهم قبل أن نحكم.
على رأسها ستيفاني مخيبر، المؤسسة والرئيسة التنفيذيّة، وميشال عيد، رئيسة التحرير.
وفي موازاة المجلّة، تُدير المنصّة استوديو إبداعياً وإستراتيجياً يعمل باللغات العربية، الفرنسية، والإنجليزية. يساعد العلامات التجارية والفنانين والمؤسسات على إحياء قصصهم الخاصة من خلال وضع إستراتيجيات وتصاميم شخصيّة، بالإضافة إلى خدمات أخرى.
ماذا يعني العدد لكتّاب هذا العدد؟ وكيف يمثّل عائلاتهم ومجتمعاتهم؟ كيف يُمكن، على سبيل المثال، أن تتحوّل الجلسات الطويلة تحت شجرة الزنزلخت في قرية تُحاول أن تُجاري التمدّن من دون أن تفقد مشاهد فرط الزيتون والروائح المُنبثقة من "كركة العرق"، إلى الحكايات التي نتنشّق من خلالها الحياة؟
المطبخ هو حديقة مُتموّجة نختبئ بين شجيراتها عندما يُداهمنا إرهاق شديد، والراوية مجلة عاطفية تُشيد بعودة مدينة إعتادت البدايات.