في كثير من الأحيان، يكون الألم لا يُطاق. يُذكرنا بالنهايات، نحن الذين ما زلنا نؤمن بالبدايات.
والفنانة منار علي حسن التي تعيش مع متلازمة الفيبروميالجيا. تجري حوارها مع القدر من خلال الخلق الذي يحرسها ويقيها شرّ الغوص في قعر اليأس.
يحمل الفن بالنسبة لها، أهميّة عميقة مُتعددة الوجه. وهو بكل تأكيد أكثر من وسيلة للتعبير.
ترى فيه الصوت القوي الذي تتجاوز من خلاله القيود الجسديّة.
تلك القيود الصديقة التي تفرضها عليها ظروفها.
منار علي حسن التي تخفي خلف صلابتها الخارجيّة عشرات قصص ترويها للقدر، إلتحمت منذ سنوات مع ألم، فهمت منذ اللقاء الأول بأن الحل الوحيد معه يكمن بالإلتصاق بغطرسته.
والفن هو الملاذ والعلاج... وهذا الحوار المُستمر مع القدر.
داخل طيّات ثوب العزلة، تحوّل الفنانة التي إستمر الحديث المُتقطّع معها أشهراً طويلة، أعمالها المُتعددة الوسيط، علاجها المؤقت من التعب المُزمن الذي تفرضه عليها مُتلازمة الفيبروميالجيا.
عندئذٍ، ينساب الخلق بحريّة، وتعيش، ولو للحظات عابرة، بعض سلام. فإذا بالجسد يتحرر من القيود.
وها هو حوارها مع القدر يُسكت حالات الزمان. ...وحالات الزمان عليك شتى وحالك واحد في كل حال
منار علي حسن تستعيد، وإن للحظات عابرة، بريق الأيام التي ترحل بدون إستئذان.
فإذا بالصراعات الداخليّة تتجلّى وتوفّر بعض تحرّر من ثقل العيش مع مرض مُزمن.
"تتمتّع الحركات المُتكررة والإيقاعيّة التي ينطوي عليها الخلق الفني، بجودة تأمليّة، مما يهدئ ذهني ويمنحني راحة مؤقتة من الالم".
الفن هو، إذاً، كما تصفه منار علي حسن، صوتها الذي غالباً ما تخنقه ثنيات ثوب هذا المرض الخفي الذي يتربّص خلف اليوميّات.
هو بكل تأكيد وسيلتها لتُسلّط الضوء على مُتلازمة قد لا يعترف البعض بوطأتها وشرّها، لأنهم لا يفهمون بكل بساطة كيف يمكن أن يعيش المرء مع الألم في كل أنحاء جسده.
ولا يعيرون أهميّة للإرهاق الجسدي والروحي الذي يُرافقه.
يبقى الألم المعبر الفني المُنظّم في حضوره.
ومنار علي حسن تعرف جيداً معنى أن يسير المرء في هذه الممرّات الُمرتفعة أو المُنخفضة.
إعتادت مع مرور الوقت حضور يد الألم الجميلة، بأصابعها الطويلة. لتغلّف روحها بهدوء مُخمليّ، قبل أن تسحق جسدها بلا رحمة.
"الفن يُذكرني بأن هويتي لا تقتصر على مرضي".
من خلال الخلق، تستعيد منار علي حسن قدرتها على سرد قصتها. وأيضاً على التواصل مع الآخرين.
بعضهم يعرف الألم تماماً مثلها.
والبعض الآخر يتعرّف من خلال منار، على الجسد السجين الذي يعيش الإضطراب، لحنه المتواصل. وبفضلها، يسمعون صراخه الصامت.
ومن هذا المنطلق، تولد الصداقات.
المعارض، التعاون الفني، مواقع التواصل الإجتماعي، وسائل تُسعف الفنانة في سعيها لخلق ما يُشبه المجتمع الحميم، ليشعر هؤلاء الذين سحقهم الألم بحضوره المُستمر، بأنهم ينتمون.
لاسيما في تلك اللحظات الساحقة والشاهقة في حضورها.
وعندما يمنعها الألم من الخلق، تستغلّها فرصة لتبحث عن أفكار جديدة تُعبّر من خلالها عن كل ما يحصل داخل السجن الصغير الذي تعيشه قدرها.
عمليّة الخلق تحتاج إلى الإلهام العميق، أو فكرة يتردد صداها بعمق في حنايا الروح.
"أحاول إكتشاف الفوضى والجمال داخل هذه المعضلة التي تُدعى الإنسان"
بحوث مُكثّفة، رسم أولي للأفكار، إعداد مساحة العمل الخاصة بها، إختيار المواد التي تسمح لها بالإبداع التلقائي والتعبيري...
مراحل ولحظات تعيشها الفنانة لخلق التوازن بين مذاق الألم الشهيّ والشاهق بحضوره، وعمليّة الخلق.