الذكريات أبداً حاضرة خلال الحديث مع الفنانة رنده علي أحمد. حتى عندما تتمحور الدردشة حول الطبيعة وإنفعالاتها . طبيعة، نُعاملها أحياناً وكأنها ملاذ المُتقاعد من الحياة. والعواصف الثلجيّة العنيفة التي تستقبلنا "عند كل مفرق لوحات وتركيبات فنيّة نقترب من خلالها بضع خطوات من عالمها الداخلي، لنفهم أكثر علاقتها مع الماضي والحاضر. معضلة الرحيل أم البقاء. نعمة النسيان أم طيف الذكريات التي تُمارس ضغطها اللطيف بين تنهيدة وأخرى.
رنده علي أحمد متأكدة بأننا، نتعلّق لاشعورياً بجذورنا وكأنها نثر المطر الذي يقينا شر الواقع.
نستهل الحديث عن الأبراج وتأثير الكواكب على يوميّاتنا وبعض قرارات عشوائية لا بد منها لتُصبح الحياة أكثر زهواً، واللوحات والتركيبات الفنيّة أكثر عمقاً. لننتقل بعدها إلى غابة الصنوبر التي تستقبلها وتحضن وهج أحلامها الخافت في قرية قرصون. فوسط جنون هذه الغابة، غالباً ما تسير الفنانة مُتوغلة في إحتفال الطبيعة ونزواتها ومزاجها المُتقلّب. في هذه الغابة ، أصبحت الأشجار أقرب إلى أشخاص تتقاسم معهم يوميّات عابرة وبعض لحظات. فإذا بالطبيعة وقسوتها الرقيقة تنتقلان إلى الأعمال الفنيّة. ويحق لنا، بحسب الفنانة شبه الهادئة، أن نرى ما يحلو لنا من مشاهد وشخصيّات وأشكال في هذه اللوحة أو تلك التركيبة الفنيّة.
يحق لنا أن نكتب قصة لم تولد بعد. وهي تكتفي بالمشي في هذه الغابة، مُتوغلة في جنون "سكّانها"، محوّلة المشاهد إلى نصوص يكتبها الزائر.
أحياناً لا تعرف رنده كيف ستتعامل مع العمل الفني وما هو الموضوع الذي ستعالجه فيه. ولكن، "ما بينخاف عليها". تتم عمليّة الخلق في منزلها. تحديداً في "الصالون". وها هي الذكريات تنصهر مع الحاضر. وها هي الفنانة تطرح بعض أسئلة وجوديّة لا بد منها بين الحين والآخر. هل نُحافظ على تعلقنا المفرط بالجذور.
أم نرحل، آخذين معنا الذكريات في حقيبة السفر؟ "المصفصفة" بدقّة وترتيب إلى جانب الملابس وبعض كماليّات؟
حتى الساعة، لم تتمكن الفنانة بعد من أن تعطي أعمالها الفنيّة هويّة محددة. فكل عمل فني يرتكز على مزيج من مختلف المدارس ومختلف التقنيات. ولا بد من أن تمتزج الذكريات بالحاضر لتولد الغابة مجدداً وأكثر من مرة. ولتسير رنده علي أحمد وسط الذكريات والقصص التي لا بد من أن تعيشها يوماً وكأنها في الواقع تتشاطر هذه الإنتقاضات مع الزائر.
القليل من السرّياليّة. وها هي الحداثة تتبختر في الضوء. و"الأكريليك" يزوّد الفنانة هذا الشعور الممتع بالراحة. فمن خلاله تنساب الذكريات وبعض ما لم يحصل بعد بلا مجهود. والغابة في قرية قرصون بعيدة و"مش بعيدة". نزورها مع الفنانة بحثاً عن لحظات عابرة من أي شيء قد يُعيدنا إلى دورة الحياة.
لوحات قد تبدة قاسية للوهلة الاولى. تخفي حكاياتها بين طبقات من الألوان. فنانة منضبطة لا تنتظر الوحي ولحظات الإلهام لتغطس بعمليّة الخلق. تعمل يوميّاً. تتواجه مع العمل الفني بلا إنقطاع. ولا تحتاج إلى عزلة لتعود إليه عودة العاشق الذي ملّ الهجر. والأعمال، قد تبدو للوهلة الأولى قاسية بعض الشيء. ولكن الحكايات والذكريات بصراعها المحتدم مع الواقع، حاضرة في كل الزوايا. على الزائر أن يتحلى ببعض صبر ليصل إلى الغابة البعيدة القائمة، هناك في قرية قرصون.
المهم أن لا تنقطع العلاقة بين الفنانة شبه الهادئة والأعمال التي قد تبدو للوهلة الأولى، قاسية بعض الشيء. المواجهة المستمرة مع اللون والعمل والذكريات من التفاصيل المحوريّة التي تُسهّل عمليّة الخلق، بحسب رنده. أن نهجر من نحب ونبتعد بحثاً عن ما يُشبه الراحة، قد يجعل العودة المُرتقبة مسألة صعبة. فهل أجمل من الإلتزام والإنضباط، حتى عندما نُريد أن نهرب؟