صغيرة، كانت الفنانة فتاة بحمد تجمع الأزرار الملوّنة والحبوب والخيوط لخلق بعض أشكال فنيّة عكست، باكراً عشقها لهذا العالم المليء بالألغاز والمغامرات الزاهية حيث تختبئ البسمات الصغيرة وتترنّح التفاصيل العادية.
وفي معرضها المستمر في غاليري Maya Art Space من الواضح أنها ما زالت تحمل في مكان ما في داخلها طيف تلك الفتاة الصغيرة التي تمكّنت، ذات يوم، من أن تخلق الأعمال الفنيّة بواسطة جواهر غير مرئيّة مؤلّفة من أشيائنا الصغيرة.
إختارت عنوان "محطات من رحلة"
للأعمال المتعددة الحجم لتحتفي بجمال مناطقنا الجنوبيّة وسحرها الطبيعي ويوميّاتها غير العاديّة على الرغم من إصرارها على إرتداء ثوب المألوف.
فتاة بحمد تصوّر التلال المُتدحرجة بقدرتها على تلخيص أجمل قصة حب قد نكون عشناها في المخيلة، أو ربما ذات يوم بعيد، رحل، لكنه ترك لنا إرثاً اسمه الفرح.
الألوان الجامحة تغمز إلى القصص التي تغفو داخل منازل الشمس الصغيرة، وضربات فرشاة الرسم جريئة تُعطي أبعاداً للكرسي أو شرائح البرتقال والتلال المتدحرجة بقدرتها على إحتواء قصص حبنا.
وكانت بحمد قد بدأت العمل على هذه السلسلة الهادئة بفرحها المُشرق قبل أن تقتحم الحرب أخيراً يوميّاتنا العاديّة، فإذا بها تقرر ألا توقف الرحلة التي بدأتها عندما كانت "الدنيا بألف خير"، وأمعنت في الترنّح على إيقاع جنون الخوف والتوتر. وكأن الإصرار أصبح قدرها
بعض اللوحات حمل ندوب الحرب.
ولكن ضربة فرشاة الرسم حافظت على إنسيابها المجنون وهذا الإصرار على تصوير الفرح.
لم يكن من المقرر أن تُقيم المعرض. فقد إعتادت أن تعمل بلا توقف في محترفها القائم في قرية جنوبيّة تقطن الطبيعة بجوارها. كانت مسألة طبيعيّة أن ترسم، أكانت تحضر لمعرض أم لا.
وإقتحمت الحرب قصص حبنا الصغيرة، وكان لا بد لها ولعائلتها من الهروب بعيداً من هذا القاتل الخفي الذي يعاني نوعا من جنون العظمة.
ولكن أحد أفراد العائلة عاد إلى المنزل لينقذ، بمساعدة من الدفاع المدني هذه اللوحات التي هي في الواقع، التعبير الأقسى عما تكنّه بحمد من عشق للحياة.
بعض الكراسي وطاولة عليها وعاء صغير من الزهور . أريكة تعانق وسادة مرميّة بما يُشبه اللامبالاة
وتلال مُتدحرجة تركض فيها عاشقة تائهة يفضحها بياض بشرتها الناصع
إذا كان للفرح صورة واحدة، فهي أعمال فتاة بحمد ومحطات صغيرة من رحلتها مع هذه الحياة.
لاسيما أنها لا تبحث عن الموضوعات الخارقة لتنسج من حولها لمسات إبداعية. بل تنطلق من حياتها العادية لتشعرنا كم هي، في الواقع، إستثنائية.