أمسية التنهدات وبعض وعود بأن جسر العودة سيلتحم ويلغي قسوة النظرة الجانبيّة التي مللنا وطأتها.
نضحك معاً، ونتشارك النظرات العارفة في متحف ومركز ثقافي يُجسّد تاريخ عاصمة الذكريات.
والنظرة الجانبيّة تقتحم الصرح العريق الذي إحتفظ بندوبه.
هدهد إنكسارها.
وهذا المساء يعرف جيداً أن إحدى مسؤولياته تقع في هدهدة إنكسارنا، نحن أيضاً، "هالكم واحد" الذين حضرنا اللقاء الحميم حيث الكبار الذين شاركوا في رسم خبايا الذاكرة وتطويعها يروون نوادر أرقى الغاليريهات في عاصمة كؤوس الحب الفارغة.
عاصمة كؤوس الذكريات التي تلامسها بحنو والقليل من المحبة.
محادثة غير رسميّة، تلغي المسافات بين الكبار الذين شاركوا في صناعة الفن "إيام العز"
(وجمهور مؤلّف من أسماء كبيرة في مختلف الحقول، (منها الفن.
والجلسة حميمية، لا تتأثر بهذا الكم من الدماء والندوب والإنكسارات المزخرفة شظايا وتشويه وفجوات تعكس وجه الموت وبرودة الجثث في الجدران ومختلف الطبقات.
أمسية عنوانها:
Conversation
Art Galleries and the war
يدير اللقاء راعي الفنون، صالح بركات صاحب الغاليري الأنيقة التي تحمل إسمه والقائمة في كليمنصو الحبيبة.
والضيوف الذين يروون لنا ترجمتهم لنضالهم وحروبهم الصغيرة للحفاظ على صالات العرض والأعمال الفنية في زمن الالهلوسات ورنين الرشاش، لا يقلّون شأناً: من آمال طرابلسي إلى براهيم زود وعوني عبد الرحيم.
الحرب مرّت من هنا.
ترنّحت في كل المناطق، وغرزت جنونها وشرايين حقدها حتى في الأعمال الفنية.
والأمسية حميمية، نتعرّف من خلالها كيف إستمرت الغاليريهات العريقة في معركتها الكبرى للحفاظ على أهمية الخلق.
ويروي لنا هؤلاء الكبار الذين سرعان ما تحولوا أصدقاء الغربة التي فرضها الواقع علينا، كيف أنقذوا جنونها.
وإيمانهم بأن الفن لا بد من أن ينتصر...
وإن كانت حالات الزمان عليه وعلينا شتى.
وصالح بركات يدعونا، لا بل يحرّضنا على زيارة المعارض الصغيرة المنتشرة في كل زوايا هذا الصرح العريق الذي يُدعى، على فكرة
بيت بيروت.
وكان الفاصل، ماضياً بين
"الشرقيّة والغربيّة".
معارض تعانق الفنان، كل فنان وضع خيباته وما تبقى من أحلام في رؤية، أو تجهيز أو عمل تصوّري، عبثي، ينطوي على رنين الهاتف الذي لن يتجسّد واقعاً. ولكنه يُهيمن على العقل...ولا بدّ من أن يكون الصوت في الجهّة صوته أو صتها... لا بدّ من ذلك.
وعناوين الصحف التي تلخّص إندثار آمال والدة هذه الطفلة التي بقيت لعبتها وأخذتها الحياة إلى لهيب الشارع.
إسترخاء الكبار غالباً ما يبعث على الطمأنينة.
والمعارض الصغيرة مُنتشرة في كل أنحاء بيت بيروت الشاهق حتى الإرهاق.
اللقاء إنتهى.
وإنتشر الجميع، بإصرار من صالح بركات، في مختلف الطبقات ليقتربوا خطوات فأخرى من بعض الذين يستحقون أن نتعرف إلى أعمالهم وإن غضّت الصحافة في بعض الأحيان عن بداياتهم المؤثرة.
في لحظة إنبهار عابرة.
أو ربما بحثاً عن إيقاع سريع لا وقت معه لتسليط الضوء على الكنوز الخفية في عاصمة كؤوس الحب الخالية.
وكؤوس الذكريات الفائضة حتى الإختناق.
“برموا بالطوابق. شوفوا الأعمال الفنية يالّل بدها مين يسلّط الضوء عليها”
صالح بركات















